لو نجح العرب في دفع مبادرتهم الشهيرة التي اقروها في بيروت ليجعلوها مشروعهم في الرياض، لكان ذلك كافيا لنجاح القمة، بل قد تغير تاريخهم.
فجأة استيقظ العالم والتقط مبادرة بيروت التي قدمتها السعودية. وجد فيها مخرجا لكل الأزمات، حلا سحريا للمخاطر التي تتوالد بسرعة. حتى الإسرائيليون، الذين قالوا إنها لا تستحق الحبر الذي كتبت عليه، استداروا على موقفهم وقالوا إن فيها جوانب مهمة وتستحق أن تؤسس للتفاوض. الاميركيون الذين بخلوا في تأييدها عندما أقرت في بيروت، وكانوا حينها على خلاف حاد مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المحاصر في رام الله، تراجعوا عن موقفهم البارد، وطارت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس إلى أسوان لتعلن أن المبادرة مفتاح مهم، ومستعدة لدعمها.
السبب نجده في ما اكتشفه الجميع، المبادرة هي المعبر الوحيد للخروج من النفق. إسرائيل رأت في صواريخ الصيف الماضي نهاية البعد الجغرافي، ورأى الفلسطينيون في معارك الشتاء سقوط حرمة الدم بين الأخوة وبداية لحرب عبثية طويلة، ورأى الاميركيون أن إصلاح بغداد وطهران ودمشق يمر عبر القدس، ورأى العالم كيف تتوالد القاعدة بسرعة في كل مكان باسم فلسطين. أيضا نحن ننسى لكن ملايين الفلسطينيين لا ينسون كيف يعيشون حياة اقل آدمية في المخيمات العربية، يمنعون من التنقل والعمل والهوية. مأساة مستمرة منذ نصف قرن في وقت يتوسع الإسرائيليون في مستوطنات مكيفة، وينشغل العرب في معاركهم شيعة وسنة، معارضة وموالاة، ودارفور وبغداد، وغيرها.
قوة المبادرة تكمن في أمرين أولهما أنها تمثل كل المطالب العربية المتوارثة مع أقصى حدود تنازلاتها، والمبنية على القرارات الدولية. والعامل الثاني، وهو الأهم، أن كل الدول الاثنتين والعشرين العربية وقعت عليها بما فيها المسماة بالمتطرفة والمترددة واللامبالية والمتحمسة. وضعت المبادرة المسؤولية لأول مرة في تاريخ العرب صريحة وواضحة وجماعية، لا على القيادة الفلسطينية وحدها كما حدث في المبادرات الماضية فصارت مشروع العرب.
لقد كان المأمول عندما أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرته في حينها أن تكون مشروع العالم، وان تكون محل التأييد والتصويت عليها دوليا، وان تكون فرضا قانونيا ملزما لإسرائيل والعرب، فننهي المأساة الأولى في العالم. المبادرة مؤهلة للنجاح لأنها تختزل كل القضية بأبعادها الترابية والبشرية والقانونية والعسكرية.
في الرياض المبادرة تعود للطرح من جديد لأن حماس، الحزب الحاكم اليوم في فلسطين، تلكأت في تأييدها ولو رفضت الإجماع العربي لأصبحت تلام عليه. نحن أمام مشهد عالمي جديد مهم. إسرائيل منحت المبادرة تأييدا أوليا، وكذلك فعلت الولايات المتحدة. وبات عمليا أن تقوم القمة بتفعيلها ونقلها من درج الجامعة العربية إلى طاولة المفاوضات.