ب: التخطيط في البلدان الاشتراكية:
يعتمد النظام الاشتراكي على الملكية الجماعية لوسائل الانتاج. حيث تمتلك الدولة جميع وسائل الانتاج. اما الاهداف العامة التي تحاول الدول الاشتراكية الوصول اليها باتباعها اسلوب التخطيط فيمكن تحديدها بما يأتي:
ان التخطيط الاقتصادي باعتباره احد الاسس الرئيسة للاشتراكية يهدف قبل كل شيء إلى تصفية الاقتصاديات الرأسمالية التي تعترض طريق بناء الاشتراكية.
تكوين قطاع اشتراكي كبير يكون دعامة للحياة الاقتصادية واداة للتوجيه الاقتصادية في المرحلة الانتقالية. بحيث يستطيع هذا القطاع توجيه انماط الانتاج غير الاشتراكية التي يستمر نشاطها في هذه المرحلة.
دعم الجهاز الانتاجي بالاعتماد على التصنيع وتطوير الزراعة. وتكوين المؤسسات والمنظمات الاقتصادية الاشتراكية. بهدف رفع مستوى المعيشة وحسن توزيع الدخل.
وترجع اهمية التصنيع إلى ان التنمية الاقتصادية تحتاج إلى قاعدة صناعية كبيرة وكافية لان تكون ركيزة لها في انطلاقتها التنموية واستمرارها. اما الاهتمام بالزراعة فيرجع إلى ان القاعدة الصناعية يلزمها قطاع زراعي قادر على تلبية مطالبها من توفير المستلزمات الزراعية للانتاج وتوفير الغذاء للعمال الزراعيين والصناعيين. وفي الواقع تحتاج إلى الصناعة إلى الزراعة وفي الوقت نفسه تفتقر الزراعة إلى الصناعة. الامر الذي يتطلب تحقيق التوازن في تنمية هذين القطاعين. وهنا تبرز اهمية التخطيط المركزي في عملية تنظيم توزيع الموارد وتوفيرها للقطاعات المختلفة وحسب الاولويات التي تمليها اهداف الخطة.
ج: التخطيط في الدول النامية:
تقسم البلدان النامية على اختلاف مستوياتها الاقتصادية وانواع الاقتصاديات التي تتواجد فيها بانها جميعا متخلفة عن الدول الرأسمالية والاشتراكية المتقدمة على السواء. ووضع التخلف هذا يظهر بصور شتى متداخلة فيما بينها. وكثيرا ما يكون كل منها سببا لظهور الاخرى.
ومن اهم هذه الصور القصور الشديد في استغلال الموارد الطبيعية والبشرية. وندرة رأس المال وسوء استخدامه وانخفاض الانتاجية وغيرها. وتظهر حصيلة ذلك في الانخفاض النسبي للدخل القومي وسوء توزيعه. وفي التبعية بشكل او بآخر للدولة المتقدمة.
بناء على ذلك تكمن اهداف التخطيط في البلدان النامية في ازالة صور التخلف بشتى اشكالها والخلاص من التبعية. وعليه تتجسد هذه الاهداف في النقاط الآتية:
رفع مستوى استغلال الموارد الطبيعية والبشرية لتحقيق مستوى اعلى للدخل القومي.
تحقيق الاستقلال الاقتصادي والتخلص من التبعية.
ان بلوغ مثل هذه الاهداف بالطبع ليس بالعملية السهلة. خاصة وان تحقيق أي هدف منها يرتبط بتحقيق الاهداف الاخرى.
رابعا: طرق واساليب التخطيط:
يعتبر التخطيط الاقتصادي منهجا علميا ونهجا عمليا وفنيا يهدف إلى تحقيق أقصى نمو ممكن في المجتمع بأقل تكلفة ممكنة وأقرب مدى زمني مستطاع. وتتوقف كفاءة هذا المنهج بالدرجة الاولى على نوعية الادوات التخطيطية فيه. وعلى الاساليب والطرق الفنية التي يختارها المخططون لهذا الغرض بالدرجة الثانية.
ويعتمد نجاح التخطيط بدوره على التنظيم السياسي العام للدولة وعلى كفاءة الاجهزة المسؤولة ومدى سيطرتها وتمكنها من حسن اختيار هذه المناهج ودقة تطبيقها. ومن ثم حسن اتخاذ القرارات التي من شأنها التوصل إلى افضل البدائل الاقتصادية والاجتماعية بين موارد الدولة واستخداماتها.
أ- في الدول الاشتراكية:
يمكن القول بصفة عامة ان المنهج الاساسي للتخطيط الاقتصادي المطبق في الدول الاشتراكية يتضمن
اولا: اختيار المعايير المتضمنة لدوافع التفصيل الاجتماعية الخاصة بشتى تقسيمات الموارد والاستخدامات. ويتضمن.
ثانيا: التطبيق الفني للمعايير المختارة
وقد تقف عملية التخطيط الاقتصادي عند حد تطبيق الجانب الاول. وذلك بتطبيق المعايير الاجتماعية للكفاية الاقتصادية بهدف اختيار اكثر القرارات صلاحية لاستخدام الموارد المتاحة على النحو الذي يحقق اعلى ناتج قومي بأقل مقدار للمواد الانتاجية الطبيعية والبشرية. وفي الحدود التي يسمح بها مبدأ مستوى التوظيف وميزان المدفوعات.
وقد تسمو عملية التخطيط الاقتصادي إلى حد الاختيار الامثل للقرارات الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن تطبيق معايير الكفاية الاقتصادية التي تسهم بصفة ايجابية في الناتج القومي. بحيث يفوق عائدها الاجتماعي تكلفتها الاجتماعية. وكذا إلى تطبيق معايير التفضيل الاجتماعي التي تؤدي إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
اما الطريقة التي يتبعها الاقتصاديات الرأسمالية فهي مبينة على نظام الحوافز. وهنا تنشد الدولة مستوى اقتصاديا معينا ولكنها لا تتخذ الخطوات الايجابية المباشرة من اجل التوصل اليه. وتكتفي بعرض الحوافز على الوحدات الاقتصادية وتحريكها بحيث تحاول هذه الوحدات تحقيق ذلك المستوى من تلقاء نفسها.
وقد ترسم الحكومة نماذج اقتصادية تشتمل على ادوات تغيير الوضع الاقتصادي ومدى التغييرات التي يمكن للوحدات الاقتصادية ان تجربها فيها ان شاءت لتحقيق الوضع الاقتصادي الذي تتطلع اليه الدولة. وتقوم الحكومة بعد ذلك باعلان صورة المستوى الاقتصادي المنشود والبيانات المتعلقة به كي يتسنى للوحدات الاقتصادية تنفيذها. هذا ويستخدم المخططون في كلا المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي طرقاً وأساليب عدة للتوصل إلى المؤشرات التي تمكنهم من وضع خططهم وتساعدهم على اتخاذ قراراتهم. وسوف نعرض فيما يلي بعض الطرق المتبعة لوضع الخطط الاقتصادية في ظل المنهاج الرئيسي للتخطيط الاقتصادي الشامل. نتبعها بعرض بعض الادوات والاساليب التي يستخدمها المخططون في عملهم.
الطريقة الاولى طريقة الامثلية:
يسعى التخطيط التنموي الشامل إلى تحقيق افضل المنجزات التي يستطيع ان يبلغها المجتمع في حدود الموارد المتاحة خلال فترة زمنية معينة مع التوفير ما امكن في تكاليف هذه المنجزات وبخاصة الموارد النادرة منها. لذا فان الاسلوب الذي يتبعه المخطط لا بد وان يساعده على تحقيق ذلك. ومن هذا المنطلق يميل بعض المفكرين إلى اتباع اسلوب يأخذ بغايات المجتمع جميعا ويحصر الموارد المتاحة وامكانياتها القصوى في آن واحد. ويعمل على تنظيم ما يحقق الربح والرفاهية من تلك الغايات وتصغير عناصر التكاليف مع الالتزام بالقيود التي تفرضها محدودية الموارد المتاحة للمجتمع.
يعرف هذا الاسلوب باسلوب الامثلية حيث انه يبحث عن الحل الامثل للنموذج. وهو يحتاج إلى قدر كبير من المعلومات التي يجب ان تكون على قدر كاف من التماثل بالنسبة إلى كل جوانب الاقتصاد القومي. وتحتاج هذه الطريقة في تطبيقها إلى اساليب رياضية متقدمة كاساليب البرمجة الخطية وغير الخطية والى آلات حساسية الكترونية ذات طاقة عالية للتمكن من معالجة هذا الكم الهائل من المعلومات بصورة آنية. يترتب على تطبيق هذه الطريقة اعطاء البيانات ذات المواصفات الكمية اولوية على الظواهر الوصفية. كما ان التماثل المطلوب في البيانات يثير مشاكل عديدة وبخاصة في الدول النامية المتخلفة احصائيا. كما يؤدي تعقيد الاساليب الرياضية المستخدمة إلى عدم تمكين الكثير من العاملين في التخطيط من استيعابها وتفهمها مما يجعلها تلقي معارضة قوية في التطبيق العملي. لذلك نجد ان استخدامات هذا الاسلوب ما زالت ضئيلة في الدول الشرقية والغربية وكذا في الدول النامية التي لا تتوفر لديها الامكانيات الفنية المتخصصة والاجهزة الالكترونية المتطورة.
الطريقة الثانية الطريقة التصويرية:
ان ضخامة العمليات الحسابية اللازمة عند اتباع طريقة الامثلية تستدعي كما ذكرنا اجهزة الكترونية متطورة ذات طاقات هائلة لا تتوفر لدى الكثير من الدول وبخاصة الدول النامية منها. الامر الذي دعا المخططين فيها إلى اتباع اسلوب رياضي آخر يقوم على حساب عدد من النماذج البديلة التي تبني كل منها على مجموعة مختلفة من الفروض. بحيث تتيح لدى المسؤولين رؤيا اوضح بالنسبة لما يمكن ان يترتب على كل من المناهج البديلة للتنمية. ومن الممكن في هذه الحالة الاستفادة من الادوات الحسابية البسيطة.
والى جانب هذه الميزة في الحسابات فان هذا الاسلوب يمكن المخطط من معالجة مشكلة عملية اساسية ناتجة عن صعوبة التوفيق بين غايات المجتمع المتضاربة وعن عدم تبين الاجهزة السياسية لحقيقة النتائج المترتبة على رغباتهم بحيث يظل هناك احتمال لان تأتي النتائج المحسوبة باسلوب الامثلية باثار لم تؤخذ في الحسبان عند صياغة النموذج مما يجعل الحل مرفوضا رغم انه يعطي بالفعل افضل النتائج في ظل القيود التي بني عليها النموذج. الامر الذي يحتاج خبرة كبيرة من جانب المخططين لتفادي مثل هذه المواقف.
يطلق على هذه الطريقة اسم الاسلوب التصويري في التخطيط. حيث تقوم على تصوير مواقف افتراضية مختلفة قبل حدوثها بالفعل. ويلاحظ ان حجم النموذج الرياضي المستخدم في هذه الحالة يمكن ان يأخذ أي قدر نشاؤه من الإجمال او التفصيل. لذا فانه اقدر ضمن الاسلوب السابق على معالجة قدر اكبر من المشاكل. ومن الجدير بالذكر ان هذا الاسلوب قد اتبع عند مناقشة الخطة الخمسية الثانية في الجمهورية المتحدة ويستخدم عند مناقشة العديد من القضايا التخطيطية في كثير من البلدان.
الطريقة الثالثة التخطيط على مراحل:
هروبا من الخوض في مشاكل الاساليب المتقدمة للتخطيط السابق عرضها والتي تسعى إلى الحصول على حل متكامل يحدد جميع معالم اطار الخطة في آن واحد يسعى المخططون إلى حل ابسط باتباع اسلوب يتم العمل فيه على مراحل متتالية تقترب كل مرحلة منها من الصورة النهائية بدرجة أكبر. وقد تبنت المدرسة الهولندية بقيادة تنبرجن هذا الاسلوب الذي يفرق بين المراحل المتتالية على اساس مدى التفصيل في كل منها بحيث تكون نتائج كل مرحلة متكاملة غير متضاربة.
يبدأ العمل في هذا الاسلوب بمراحل شديدة الاجمال تساعد على تلمس الاتجاهات التي يجري العمل فيها خلال المرحلة التالية الأكثر تفصيلا. وهكذا حتى نصل إلى الصورة النهائية المطلوبة مع ضمان تناسقها واتفاقها مع الغايات والأهداف التي روعي تحقيقها بجهد اقل في المراحل الاجمالية.
يلقى هذا الاسلوب في التخطيط رواجا كبيرا خاصة بعد ان تبنته هيئة الأمم المتحدة التي تعتبر تنبرجن مستشارها الاول في التخطيط. ومن الجدير بالذكر ان المرحلة الاخيرة تختلف في درجة تفصيلها من دولة لاخرى حسب النظام المعمول به في الدولة. وغالبا ما نجد تنبرجن نفسه يقف عند مراحل اكثر اجمالا مما لا تسعى اليه كثير من الدول وان كان هذا يتفق مع ما يسمى بالتخطيط في الدول الرأسمالية التي لا تسعى إلى درجة كبيرة من التفصيل.
اضافة إلى ذلك فان الاسلوب يسمح باستخدام نماذج رياضية مبسطة في اكثر من مرحلة من مراحله. وبذلك يتيح للمخططين امكانية استخدام كل ما في حوزتهم من النماذج مع توفر الفرصة لرفض ما تثبت المناقشة عدم صلاحيته لسبب او لاخر. لذا يؤكد انصار هذا الاسلوب انه يعطي المخطط الفرصة لادراك مجريات الامور في كل لحظة وتلمس مواضيع الخطأ ومحاولة تصحيحها ولو بطريقة التقدير الشخصي غير الموضوعي. الامر الذي لا يسمح به الاسلوب السابق الذي تدمج فيه كل المراحل معا ويترك المخطط امام مجموعة من النتائج على درجة من التفصيل بحيث لا تسمح للمخطط بالتعرف على مصدر الخطأ في أي منها ان شعر بوجوده.
تبدأ هذه الطريقة بعد تحديد الاهداف والاطار العام للخطة بوضع تصور معين للاطار التفصيلي تشترك في اعداده جميع الاجهزة التخطيطية في الدول. ثم يقوم الجهاز المركزي للتخطيط بدراسة مدى تناسق هذا الاطار او تضاربه. ويعمل على تصحيحه عن طريق مطالبة الاجهزة المعاونة في الدولة بتعديل مفترحاتها الاولى للحصول على صورة جديدة للاطار التفصيلي قد يظهر فيها انواعا مختلفة من التناقضات فيعمل على تعديله مرة اخرى... وهكذا. وتستخدم عادة الموازين السلعية العينية المختلفة كأدوات تخطيطية مساعدة للقيام بهذه العمليات المتكررة. وكما هو واضح فان اعداد الخطة يتم عن طريق التقريب المتتالي او ما يسمى احيانا بالتجربة والخطأ.
وتعتمد الدول الاشتراكية بوجه عام على هذا الاسلوب خاصة لان مدى التفصيل في خططها يجعل اساليب الحل الآتي لمجموعة المعادلات التي يتطلبها نموذج الامثلية امرا شبه مستحيل. ولذلك نجد انه حتى في الدول الاشتراكية يمكن تصور اكثر من مرحلة في العملية التخطيطية. تكون المراحل المتقدمة منها اساسا لما يسمح بالاطار الاجمالي للخطة. بحيث اذا ما وجد ان هذا الاطار محققا لغايات المجتمع اصبح من الممكن اعداد الاطار التفصيلي في ضوئه. وذلك من شأنه العمل على تقليل الجهد الضخم اللازم للوصول إلى اطار متوازن بالدرجة المطلوبة من التفصيل. أي انه يمكن بهذا الشكل الجمع بين التخطيط على مراحل وبين التقريب المتتالي. وهذا ما حدث بالفعل عند اعداد الخطة الخمسية الاولى في مصر.
الطريقة الخامسة طريقة تحديد الاهداف:
تعتمد هذه الطريقة اولا عل تحديد مجموعة الاهداف الاولية العامة. ثم يستنبط منها الاهداف المشتقة عن طريق تطبيق النماذج الرياضية كما في طريقة الامثلية. بحيث يمكن الحصول على الاجماليات الاساسية العامة للاقتصاد القومي. كما تتضح ايضا البدائل التخطيطية التنموية. وبهذا نكون قد حصلنا على الاطار العام للخطة.
وتدور الخطوة التالية حول اعداد الاطار التفصيلي للخطة. حيث يتم توزيع الانتاج ومستلزماته وكذا الاستثمار والدخل المتولد والتوظيف في كل قطاع على مستوى تفصيلي.
وهناك منهجان عامان يستخدمان في توزيع الاستثمارات على مختلف قطاعات الاقتصادي القومي يختلفان وفقا لانظمة الدول. حيث تعتمد الدول الرأسمالية غالبا على الميزانية القومية وجداول المدخلات المخرجات. بينما تعتمد الدول الاشتراكية على جداول الموازنات السلعية والمالية وموازنات القوى العاملة.
كما يمكن التوصل إلى مستوى التوزيع التفصيلي بطريقة التقريب المتتالي التجربة والخطأ حيث يتم ضع توزيع تحكمي بين القطاعات مع دراسة معدلات النمو والمعاملات الفنية لكل منها. ثم تستخدم الموازين آنفة الذكر. وللتحقق من مدى انحراف هذا التوزيع عن التوازن الكامل تستخدم الموازنات الحكومية او جداول المدخلات المخرجات.
وفي النهاية يصاغ الاطار الاجمالي والتفصيلي النهائي الذي قد يتمشى مع المراحل السابقة او يختلف عنها. ولكن بشرط المحافظة على الاهداف الاساسية التي تم وضعها وبشرط تحقق التوازن والاتساق في الخطة.