منذ ان اعلن الرئيس بوش انه يمكن ان يرسل مزيدا من القوات الاميركية الى العراق وقد وصل الجدل بشأن سياسة العراق مستويات جديدة من الحدة. فالمعارضون للحرب احتشدوا خلف ما ينظرون إليه على انه تصعيد غير مبرر في الوقت الذي ترفض فيه الادارة المعارضة وتنعتها بالانهزامية. وذهب نائب الرئيس ديك تشيني الى ما هو ابعد من ذلك الى القول ان الانسحاب يمكن ان يظهر ان الاميركيين ليس لديهم الرغبة في القتال.
مع ذلك فإن العمل العسكري في العراق يتحدى المفاهيم المتشددة للنصر والهزيمة، حيث اننا لسنا في العراق من اجل الدفاع عن اراض او حتى تدمير عدو. بل اننا نقوم بمهمة غير منظمة من اجل المساعدة على ارساء قواعد اتخاذ القرارات السياسية للشعب والحكومة العراقية والتي يمكن ان تنتج مجتمعا ديمقراطيا تعدديا يفضي الى استقرار اقليمي.
في الوقت الذي لا تزال نشأة هذه الحكومة والمجتمع تستحق الجهد المبذول من اجلها, يتعين علينا ان نعترف انها هدف مثالي. ولا يجب ان تكون الموضوع المحوري لسياستنا الشرق اوسطية او المقياس الوحيد للنجاح في العراق.
اننا بحاجة الى اعادة صياغة النقاط المتعلقة بالوضع الجيوـ استراتيجي لسياستنا في العراق. ويحاول بعض المعلقين ان يقارن خطة بوش بتمريرة هيل ماري في كرة القدم غير ان الامر ليس بهذه السهولة.
ان خطة الرئيس هي جزء او حلقة اولى في اعادة تشكيل شرق اوسط كبير بدا بغزونا للعراق والذي ربما لا ينتهي خلال سنوات. وتصارع الدول في انحاء الشرق الاوسط من اجل ايجاد موضع قدم لها في الوقت الذي تتغير فيه توازنات القوة الاقليمية بطرق من الصعب التنبؤ بها.
ويقع في محور اعادة التشكيل هذه ايران التي ينظر إليها على انها بدت من تدخلنا في العراق على انها الرابح الاكبر. فقد مهدنا الطريق امام حكومة شيعية في العراق اكثر صداقة لايران عما كان عليه صدام حسين. وتدفع العائدات النفطية الهائلة ايران الى التدخل في العراق وتطور برنامجها النووي وتمول حزب الله وحماس.
غير ان بندول سياسة الشرق الاوسط ربما يعود في التأرجح ضد التأكيد الايراني، حيث باتت المملكة العربية السعودية ومصر والاردن وبلدان خليجية وبلدان اخرى منزعجة بشكل متزايد من التصرفات الايرانية ومن الانقسامات الطائفية الاقليمية التي تتسع هوتها. وبسبب هذا التغير القوي تتزايد القوة الاميركية في الشرق الاوسط. وتدرك الدول العربية المعتدلة ان الولايات المتحدة هي ثقل مواز لا غنى عنه في مواجهة ايران.
ويفتح ذلك فرصا لتعزيز أهدافنا الاستراتيجية الأكبر ويوفر خيارا بديلا في العراق. فمع مضي استراتيجية الرئيس بشأن بغداد قدما فإننا نحتاج إلى خطة من اجل إعادة انتشار فعالة للقوات الأميركية في المنطقة بغية الدفاع عن الأصول النفطية واستهداف ملاجئ الإرهابيين وردع روح المغامرة لدى إيران وتوفير سياج عازل ضد صراع طائفي إقليمي. وفي أحسن الأحوال فإننا نستطيع أن نضيف قواعد في الشرق الأوسط مع قوات متمركزة خارج المناطق الحضرية في العراق. ومن شأن إعادة الانتشار هذه أن تسمح لنا بمواصلة تدريب القوات العراقية وتقديم المساعدة الاقتصادية في الوقت الذي لن تفرض علينا أن نضع أنفسنا في الوسط بين الفصائل الطائفية العراقية.
وقد أظهرت الجولة الاخيرة لوزيرة الخارجية الاميركية للشرق الاوسط وارسال حاملة طائرات اضافية الى الخليج العربي ان الادارة تدرك ضخامة ما يجري في المنطقة. ويجب ان توضح الولايات المتحدة لاصدقائنا العرب ان لهم دورا في تشجيع المصالحة داخل العراق ومنع القفزات في اسعار النفط وفصل سوريا عن ايران واظهار جبهة اكثر توحدا في مواجهة الارهاب.
يتعين على الادارة ان تتجنب ان تغدو غير عملية في محاولتها لتحقيق النتيجة المثالية في العراق درجة تجعلها تفشل عن التوافق مع التحولات في المنطقة او الحقائق السياسية في العراق. وعلى الرغم من ان أي ادارة يمكن ان ترفض الحديث عن الخطة (ب) عندما تكون خطتها الاصلية لا تزال عاملة فإنه يتعين على الرئيس والكونغرس التوصل الى اجماع على كيفية حماية مصالحنا الاستراتيجية الاكبر بغض النظر عما يجري في احياء بغداد او في قاعة مجلس الشيوخ الاميركي. وإلا فإن التعب والاحباط من سياستنا في العراق اللذين يبدوان واضحين في القرارات المرفوضة امام مجلس الشيوخ يمكن ان يؤديا ليس فقط الى رفض خطة بوش بل ايضا الى التخلي عن الادوات والعلاقات التي نحتاجها من اجل الدفاع عن مصالحنا الحيوية في الشرق الاوسط.
ريتشارد لوغار
عضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي. خدمة لوس انجلوس تايمز ـ واشنطن بوست خاص بـ(الوطن).