وقت سوريا المتأخر !

الكارهون لسوريا في وضع سهل، فالشماتة والشتيمة ولعن السياسة السورية هي مهمة سهلة، وكذلك حال الطبّالين الذين هم صدى للإعلام السوري الرسمي. أما من يحب سوريا وينتمي في الوقت ذاته إلى العقل والمنطق فهو في وضع صعب، وربما يكون كاتب هذه السطور في هذه الفئة.

سوريا اليوم في ورطة، والذين يقولون لدمشق غير ذلك يكذبون، وسوريا اليوم بحاجة إلى التأكد من حقيقة أن حل الورطة السورية ليس في واشنطن ولا في لندن ولا في طهران بل هو في دمشق نفسها. وهو أمر يحتاج إلى نقد ذاتي صريح للسياسة السورية وإعادة الاعتبار للعقل والمنطق في التعاطي مع القضايا الإقليمية والدولية.

يجب أن يكون واضحا أن سوريا اليوم ليست سوريا حافظ الأسد، فقد نجح الرئيس الراحل في إقامة جسور صلبة مع كل العواصم العربية، ونجح في ترميم هذه الجسور بشكل منظم ودوري. والزمن الذي حكم فيه حافظ الأسد ليس هو هذا الزمن، لقد كان زمن القطبين، وعلى الأقل كان مرحلة ما قبل 11 سبتمبر وما تلتها من أحداث. وعندما كان في حالة توتر مع نظام بغداد السابق كان يدرك أن جاره هو العراق بغض النظر عمن يحكمه، واليوم أصبحت سوريا جارة للولايات المتحدة التي تحكم العراق وستقاتل من اجل إنجاح مشروعها. وعندما كان يقيم علاقة طيبة بطهران فهي لم تكون يوما للاستقواء بطهران ضد الأشقاء العرب. وهو عندما أدرك في لحظة نادرة انه لا بد من أن يلتقي بأعدائه التاريخيين لم يتردد في فعل ذلك وبمباركة أميركية.

سوريا اليوم مشدوهة، متوترة. علاقتها بأغلبية الدول العربية تتراوح بين علاقة سيئة أو علاقة باردة. وسوريا اليوم ربطت نفسها بشكل انتحاري مع الأزمة الإيرانية التي هي أزمة أكثر تعقيدا من الحالة السورية، وسوريا أصبحت طرفا في الصراع اللبناني بعد أن ارتكبت خطيئة فرض رئيس جمهورية رغم أنف اللبنانيين.

على سوريا أن تدرك أن الزمن لن يحل المشاكل، وان المبادرة والتحرك السياسي الشجاع هما اللذان يفعلان ذلك، وعلى سوريا أن تدرك أن التحالف مع احمدي نجاد في طهران، أو شافيز في فنزويلا، هو قفز بهلواني لا علاقة له بأبجديات الواقعية السياسية، وان إصلاح العلاقة مع الأشقاء العرب، والانسحاب من لعب دور التحريض والإثارة في لبنان والعراق، ضرورة قصوى للنجاح السياسي. فسوريا اليوم ليس لها حلفاء في الساحة الفلسطينية كما كانت، وليست لها علاقة متميزة بالعواصم العربية الرئيسية كما كانت، وهناك شكوك كبيرة وعلامات استفهام كبيرة في المجتمع الدولي تجاه سوريا تحتاج إلى توضيح وفعل سياسي جاد.

هل نتحدث في الوقت الضائع. نرجو ألا يكون ذلك.. هل من أحد يصغي للذين يريدون الخير لسوريا.. نتمنى أن يكون ذلك.. لكن التاريخ مع الأسف لا تصنعه التمنيات.