ولا عزاء للمجاملين

في عصر العولمة وزمن انتشــار الملكـيــة الفكرية، تلقى فكرة الامتياز التجاري قبولا كبيرا في عالم الاعمال، وبات بالتالي من المعتاد رؤية أهم العلامات التجارية المشهورة في قــارات العــالم الخمس وفي دول مختلفة مهما تباين حجمها من كبيرة وصغيرة، وذلك في المدن والقرى بلا استثناء، ولكن الغريب أن يكون هذا المثال منطقيا على منظمات إرهابية مثل تنظيم القاعدة ! فها هو التنظيم يعلن عن تواجده «دمويا» في منطقة المغرب العربي، ويدفع ثمن هذا الاعلان عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى. إنه نفس الاسلوب يعود من جديد.. عمليات انتحارية غايتها القتل والترهيب وإسالة أكبر قدر من الدماء لإحداث الذعر، وتغليفه بالخطاب الذي بات «معروفا» فالعمليات الدنيئة يطلق عليها غزوات، ويكنى منفذوها بأسماء عربية تقليدية وكأنهم زوار من عهود التابعين والسلف، وطبعا يصاحبها الفيديو كليب الكئيب الذي تعلن فيه الوصية البائسة للإرهابي الشقي المسؤول عن الجريمة. إنه إفلاس ما بعده إفلاس! حتى المغرب العربي، هذه المنطقة التي عرفت قدرا هائلا من التسامح الديني والتعامل بفقه المعاملات ومقاصد الشريعة بدون الانغماس في تفاسير تاريخية لأناس بعينهم، اعتبروا هم وحدهم منهل العلم ومنارته. والغريب أن التفجيرات التي وصلت الى المغرب (ولحقتها بالمجازر البشعة في الجزائر) صاحبتها تفجيرات بنفس الطريقة في العراق. إنه التفكير التفجيري الارهابي المدمر بكافة ملامحه البشعة. هو موجود وبألف خير. كيف سيختفي والحجج والذرائع والتبريرات والذخيرة الثقافية من «كتب» و«علم» تراثي يقدم هذا المنطق على أنه علم مستنير يجب السير عليه، فهو الضمانة للنقاء الخالي من الشوائب. صــراع العالم الاسلامي (والعـالــم العربي في هذا العالم الاسلامي تحديدا) هو أنه للحظة لا يزال يتعاطى مع قضية التطرف على أنها مجرد «رأي» مختلف أو «نظرة» مغايرة للمسائل.

واقع الأمر أن المسألة هي أعمق من ذلك بكثير، فهناك «مبدأ» مختلف تقوم عليه تلك المدارس الفكرية المتطرفة، وأهم عناصر هذا المبدأ هو رفض التعايش مع الآخر. بكل بساطة رفض الآخر وعزله تماما، وهذا في صميم جوهره مناف لفكرة الاسلام نفسه من أنه رسالة للعالمين، وقرآن للعالمين ونبيه عليه الصلاة والسلام أرسل للعالمين رحمة وهدى، وطبعا تولدت هذه المعتقدات عن قناعة عبر طروحات مختلفة وعبر السنين. الابتلاء الشديد الذي يمر به العالم الاسلامي اليوم ليس غريبا ولا حالة شاذة، فقد واجهت أمم مختلفة من قبل تحديات شبيهه، فالمانيا كانت تعاني من النازية، وأوروبا بأسرها كانت قد عانت مر المعاناة جراء اضطهادات الكنيسة في الحقب الزمنية المظلمة، وغيرها من الامثلة والمناطق حول العالم. أنصاف الحلول لن تفيد في مسائل كهذه، فالنتائج ستكون ناقصة ومبتورة. وما دام بقي الطرح في مسائل التطرف وآفة الارهاب مغلفا بالمجاملات ومراعاة الخواطر فابشروا بالمزيد من الدماء والضحايا من الابرياء.