في المؤتمر الصحفي الاعدادي الذي عقده وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل وأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، وجه سؤال للوزير السعودي من قبل أحد الصحافيين المشاركين حيث قال: هل انقسمت الدول العربية الى دول محاور كما يجري تقسيمها من قبل أمريكا بدول معتدلة وغير معتدلة؟ فما كان من الأمير سوى الاجابة بحزم «نحن أمة عربية واحدة»، ثم أدرك أن النكتة قد «حبكت»، وأكمل «ذات رسالة خالدة» مما جعل كل من في القاعة ينفجر من الضحك، وتحول شعار حزب البعث الشهير الى نكتة تبعث على الضحك والسخرية، فالكل بات يدرك بدون شك أن هذا الحزب لم يكن سوى مصدر تفرقة وشرذمة وأن نداءاته بالحرية هي في واقع الأمر رخصة بإنشاء أعداد متزايدة من السجون والزنزانات زج بعشرات الآلاف من الابرياء فيها، وكذلك نداءاته بالاشتراكية وهي طرفة أخرى فهذه «الاشتراكية» ساهمت في فساد وسلب وسرقات وديكتاتورية مالية غير مسبوقة !
نعم «البعث» ومن على شاكلته المخجلة والمقيتة بات يشكل ماضيا خبيثا في حال العرب يجب العمل الحقيقي والجاد على استئصاله تماما مثل التطرف الديني المقيت أيضا، فهما بمثابة أورام سرطانية شريرة تنهش في الجسد والقلب والعقل والضمير بلا رحمة، وطبعا نداؤه المضحك المبكي الآخر: الوحدة وهي عادة وحدة تأتي بالقوة والإكراه دون أي خيار كما حدث في أكثر من تجربة بائسة.
واليوم والعرب يجتمعون لقمة جديدة من قممهم تبدو بعض الملفات «الساخنة» أنها قد وصلت لمراحل الاكتمال والجاهزية، وبات من الواضح تماما من هي الشخصيات التي تسعى لبناء الجسور والتواصل باحترام والبناء على ما أنجز. وعليه فإن المبادرة العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وتبنتها جامعة الدول العربية وجار اعتماد المجتمع الدولي لها، يبدو أنها فرصة مناسبة لإحداث تغيير غير مسبوق للصراع العربي الاسرائيلي، وهي تأتي تواصلا مع المبادرات التي أطلقها العاهل السعودي بحق الخلافات الفلسطينية البينية وكذلك الصراعات اللبنانية أيضا. وهذا التحرك العربي باتجاه دعم المبادرة يضع ضغوطا غير مسبوقة على الادارة الامريكية وخصوصا في ظل معاناتها المتواصلة من كارثة احتلالها في العراق، والفشل الذريع التي تواجهه جراء الاخفاق الاداري لفترة مابعد الحرب، إضافة للشعبية المتدهورة حول العالم التي تحققها، وبالتالي هناك فرصة تاريخية لانجاز شيء ما. هناك قائد عربي على الساحة يتفق على محبته واحترامه اعداد كاسحة من الشعوب والزعامات العربية والعالمية وهو عبد الله بن عبد العزيز، يبقى بطبيعة الحال ضرورة استثمار ذلك والبناء عليه.
ويلفت النظر في هذه الاثناء «تحدي» توماس فريدمان للعرب بأن يقوم خادم الحرمين الشريفين بتقديم هذه المبادرة أمام الكنيست الاسرائيلي اذا أراد العرب اثبات الجدية في عرضهم للسلام، واقتراح فريدمان أقل ما يمكن وصفه به هو أنه غير مقبول. فالكرة الآن تماما في الملعب الاسرائيلي, فخطوات حسن النوايا المقدمة من الدول العربية باتت واضحة ومتطورة، ويبقى التذكير بأن اسرائيل تحتل أراضي وتقتل أبرياء وتغتصب حقوقا وتنتهك قوانين دولية. وغير معروف كيف «سوق» فريدمان نفسه بأنه داعية السلام والوسيط بين العرب واسرائيل ولكن هذا ما حدث ! وأتذكر مقولة الصحفي الأمريكي سكوت ماكلويد مندوب مجلة «تايم» في الشرق الأوسط حين سألته اذا كان فريدمان يتحدث العربية حسب ما ادعى في أحد كتبه؟ فقال لي مبتسما «لا ... ولكن هذا هو فريدمان!».
هناك حالة ذهنية مختلفة في هذا القمة العربية، ينتظر منها الكثير ولعل أهم نتائجها المنتظرة حد أدنى من الموقف المتماسك حتى لو طلب بعض «عرب الارشيف» مواقف مغايرة لزوم السيرك الاعلامي والتخدير الشعبي!