موضوع: صرخة أم عراقية ؟ السبت أبريل 14, 2007 12:56 pm
/01/2007 أثناءتغطيتي لحروب أفغانستان والبوسنة والهرسك والعراق كان الجانب الإنساني يأسرني دائما،فأسوا ما في الحروب ليس تدميرها للقرى والمدن فهذهيعاد بناؤها ، ولكن أسوأ ما فيها هو تدميرهاللإنسان، وقد لاحظت مع كثرة التقارير الإخبارية سواء التليفزيونية أم الصحفية التي تقدم عنالحرب في العراق أن الجانب الإنساني يكاد يغيب فيها ،قليل من الصحفيين والمراسلين من يحاول الدخولإليالنفس الإنسانية وإلي أعماق الإنسان العراقي ليكتشف حجم ومقدار الجريمة التي ارتكبتفي حقه وحجم الدمار الذي لحق بأركان نفسه وجوانبها .
في مطار عمان استوقفتني سيدة عراقية في نهاية العقد الرابع من عمرها ـ وكانت معها ابنتها علي أعتاب الشباب ـ فقالت المرأة لي : لماذا لا تعكسون في برامجكم وأخباركم الجانب الإنساني لنا في العراق لاسيما للنساء ، أنا اعتقلت من القوات الأمريكية وقضيت ستة أشهر في سجن أبو غريب ، وابنتي هذه الصغيرة اعتقلت وقضت شهرا في السجن وهناك مئات النساء العراقيات الأخريات لازلن في السجون الأمريكية والعراقية ربما منذ بداية الاحتلال ، ولا يتحدث عنهم أو عن مأساتهن أحد ، وكأن الأمة لم يعد بها نخوة أو غيرة أو رجال ، ورحم الله المعتصم ، ربما أعانني الله وخرجت صلبة في ظاهري علي الأقل ، لكن ابنتي هذه واجهت صدمة شديدة وهي في مقتبل عمرها وأصبحت كأطلال امرأة هرمة وهي بعد لم تبدأ حياتها ، حينما كشفت فضيحة سجن أبو غريب هاج العالم وماج ، ثم خفت كل شيء وانتهي وكأن سجن أبو غريب قد أغلق ، وكأن من ارتكبوا ويرتكبون الجرائم فيه قد توقفوا ، كل شيء علي ما هو عليه لم يتغير شيء سوي أن الناس والعرب والمسلمين تحديدا قد صمتوا ، التعذيب والانتهاكات التي تحدث علي أيدي القوات الأمريكية أو علي أيدي القوات الحكومية الموالية لها لا تخطر علي بال أحد ، ومن الصعوبة أن تروي ولو رويت ربما لا يصدقها الناس ، إنني في طريقي لحضور أحد المؤتمرات لأروي تجربتي وتجربة ابنتي ربما تلامس آلامي وآهاتي وجراحي أسماع أحد من هؤلاء الصامتين أو الراقصين علي جراحنا ، وسوف أفضحهم وأفضح أفاعيلهم ربما تخفف قليلا عن نساء العراق الأسيرات لدي الأمريكيين أو القوات الحكومية الموالية لها ، ما ذنب ابنتي ومئات مثلها ممن لا يكدن يغادرن طفولتهم حتى يمروا بتلك الصدمة القاسية التى تركتها حطاما كما تراها ؟ ما ذنب الأمهات والأخوات والبنات اللائي يلقين فى السجون لأنهن يردن وطنهن حرا خاليا من المحتل ؟ إنهم هم الذين بغوا علينا واحتلوا بلادنا وقتلوا أبناءنا وأزواجنا وآباءنا أو اعتقلوهم ؟ لم يعد أحد آمن فى بلادنا ،
إنني أتمني من كل كاميرات الدنيا أن تأتي وتسجل تلك الآلام التي نعيشها كأمهات عراقيات ، وكيف أصبحت الواحدة تصبح وهي لا تدري من الذي سوف يمسي حيا من عائلتها وتمسي ولا تدري من الذي سوف سيبقي حيا أو غير معتقل من أسرتها ، إنني أتألم وكل امرأة في العراق تتألم وكل عائلة تتألم وألمنا الذي سببه المحتل أصبح في كل شيء ، وأسوأ آلام الحياة هو الخوف وعدم الأمن ، والأسوأ منه الوضع الاقتصادي المتردي ، فالأمهات في كثير من الأحيان لا يعرفن ماذا وكيف يطعمن أطفالهن ، وفرق الموت تنشره فى كل مكان ولا تفرق بين طفل وشيخ وامرأة، والقوات الأمريكية تظل تحاصر بعض أحياء بغداد لعدة أيام لا يستطيع أحد خلالها أن يخرج من بيته بحجة إلقاء القبض علي مسلحين ، وهم في الحقيقة يحاصرون نساءا وأطفالا وشيوخا وقلة من الشباب الذي يدافعون عن أنفسهم وعائلاتهم من عمليات التطهير المذهبي والعرقي التي يعيشها سكان بغداد ، لم نعرف الطائفية إلا بعد الاحتلال ، لم نعرف الخوف وعدم الأمن بهذا الشكل المرعب إلا بعد الاحتلال ، لم نعرف الجوع والعوز والفاقة إلا بعد الاحتلال ، لقد كنا نعيش حياة رغدة قبل ستة عشر عاما ، وكانت عملتنا تساوي أكثر من ثلاثة دولارات ، وكنا لا نعرف شيئا عن تلك الآلام التي نعيشها الآن والتي أنستنا كل نعيم عشناه .
ظلت المرأة تتحدث وأنا أنصت دون تعليق حتى أعلن المضيف الداخلي في مطار عمان عن النداء الأخير علي رحلتي المتجهة إلي الدوحة ، لم أستطع أن أقول لها أريد أن ألحق بطائرتي فقد كنت مختنقا من الدموع التي كانت تغالبني وخشيت أن أتكلم فأنفجر باكيا ، لكنها استدركت و قالت لي : أعرف أني قد أطلت عليك ولا أريد أن أؤخرك عن طائرتك ، ولكني أستحلفك بالله الذي جمعنا علي غير موعد أن تنقل تلك الصرخة .. صرخة أم عراقية إلي الأمة ربما تصادف صرختي لدي أحد نخوة المعتصم .