/02/2007
انتشرت مقاهي الانترنت في معظم المدن وحتى القرى في الدول العربية ، لكن الأكثر انتشارا منها مقاهي الشيشة والنوادي الليلية ، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها افتتاح مقهى للعلوم والعلماء ، حيث دعيت يوم الخميس الثامن من فبراير الماضي لحضور افتتاح أول مقهى للعلوم في العالم العربي وكان ذلك في العاصمة اللبنانية بيروت ، الفكرة جديدة وجديرة بالاهتمام لأنها محاولة لإنقاذ الأمة من التفاهة التي تسيطر علي شبابها والضياع الذي يلف حياة الكثيرين فيها ، كما أن القائمين علي هذه الفكرة يودون أن تكون بيروت هي المنطلق لتعميم الفكرة في العواصم العربية البارزة أولا ثم في معظم المدن وربما القرى بعد ذلك .
كان ضيف الافتتاح الدكتور نديم قرطاس عميد كلية الطب والمركز الطبي بالجامعة الأمريكية في بيروت ، أما الحضور فكانوا من عمداء الكليات والأطباء والمهندسين والمحامين علاوة علي كثير من الطلاب ومحبي العلوم من كافة التخصصات المهنية ، وكان المكان مقهى " سيتي كافيه " أحد أشهر مقاهي بيروت التي كان لها مجدها القديم حيث يقع مقرها بين الجامعة اللبنانية والجامعة الأمريكية لكن المقاهي الحديثة أخذت منها مجدها القديم الذي يسعي القائمون علي مشروع مقهى العلوم لأعادته .
الدكتور نديم قرطاس كان في امتحان عسير ، فهو رجل يدرس لطلبته باللغة الانجليزية و يتكلم بها معظم الوقت لكنه كان مطلوبا منه أن يلقي محاضرته باللغة العربية ، لجمهور متنوع ، وكان موضوعها عن " الخيارات الحرجة التي يواجهها الطب " والموضوع كان اختبارا آخر يتمثل في ضرورة أن يقوم بتبسيط مادته العلمية الدسمة حول أخطاء الأطباء في المستشفيات حتى يفهمها الجميع ، وكان من أهم ما ذكره هو أنه خلال العام 1997 سجلت 33,6 مليون حالة دخول للمتشفيات في الولايات المتحدة ، الذين تعرضوا للموت من بين هؤلاء وماتوا فعلا بسبب أخطاء الأطباء كانوا بين 44 ألفا إلي 98 ألفا ، وهذا يفوق نسبة الذين يموتون بسبب حوادث السير من بين نفس العدد ، كما أن نسبة الذين يموتون بسبب الأخطاء الطبية مقارنة بعدد الذين يموتون بسبب حوادث في أماكن العمل هو 7 إلي 6 هذا في الولايات المتحدة أكثر دول العالم تقدما في الطب فما بالنا بالأخطاء الطبية التي تؤدي إلي الوفاة في بلادنا ، حيث لا توجد أية اهتمامات دقيقة بالإحصاءات الناتجة عن أخطاء الأطباء في بلادنا ، الإحصاءات التي قدمها الدكتور قرطاس هزت الحضور وطرحت نقاشات وتساؤلات عديدة في هذا المجال ، لكن النقاش الأكثر سخونة كان في الحديث عن انعدام التواصل بين العلماء العرب فى الدول العربية ، وأن معظمهم علي علاقة وثيقة بنظرائه في الغرب أو في الدولة التي تلقي علومه بها بينما العلاقات بين بعضهم البعض أسوأ من العلاقات السياسية بين الدول العربية ، و قد دعا كثير من الحضور إلي ضرورة إيجاد آلية لتواصل العلماء العرب في العالم العربي بعضهم ببعض ،كما ركز الحضور في نقاشهم علي ضرورة تبني الطلبة المبدعين والباحثين العرب لاسيما وأن المبدعين في الفن و الرقص والمساخر يجدون من يتبناهم لكن الطلبة النوابغ في العلوم لا يجدون من يتبناهم أو يتبني مواهبهم ، ونقطة رعاية المبدعين الصغار من النقاط الهامة التي يهتم بها الغرب لأنهم عماد المستقبل بينما لا تلقي في عالمنا إلا اهتماما فرديا هنا وهناك ، وقد وجدت أن الصديق والزميل مجدي سعد رئيس تحرير مجلة " علم وعالم " وهي كانت المجلة الوحيدة في العالم العربي المهتمة بالمبدعين الصغار اهتماما كبيرا بهذا الجانب يسعي لتحقيقه من خلال الأكاديمية الملكية الدولية للعلوم والتكنولوجيا التي افتتحت مقرا لها في بيروت والتي رعت انطلاقة فكرة " مقهى العلوم " التي ستعقد ندوة شهرية في " سيتي كافيه " مساء الخميس الأول من كل شهر ، وقد تعرفت علي مجدي سعد قبل سنوات في بيروت في ليلة من ليالي خسوف القمر حيث كان يجمع عشرات من طلاب المدارس ليرصد معهم الظاهرة بطرق علمية ممتعة ، كما تابعت معه بعد ذلك كثيرا من عمليات الكسوف والخسوف والظواهر العلمية ، وعرفني علي بعض العلماء الذي استضفتهم في برامجي ، فرغم حالة الإحباط العامة التي تعيشها الأمة إلا أني أجد دائما بريقا للأمل يبزغ من هنا وهناك من خلال بعض الأفكار التي تستوجب الاهتمام ، فهل تكون مقهى العلوم في بيروت بداية لنشر مقاهي العلوم والعلماء في باقي العواصم والمدن العربية حتى تكون منتدى للشباب العربي بدلا من البارات والنوادي الليلية ومقاهي الشيشة التي يتسكعون فيها والتي انتشرت مثل النار في الهشيم .