صالح القلاب(*)
لم تعد هناك أي ضبابية فقد قطعت جهيزة قول كل خطيب وأعلن الشيخ حسن نصرالله على رؤوس الأشهاد أهداف "الوعد الصادق" و"الانتصار الإلهي" فإما أن تكون الدولة اللبنانية دولته ودولة حزبه ودولة بُعده الاقليمي وإلا فإن السيف سيبقى مرفوعاً فوق أعناق الذين يخالفونه الرأي ويخيطون بغير المسلّة التي يخيط بها.. وليحصل ما قد يحصل!!.
المثل يقول: "إن المسألة ليست مسألة رمانة بل مسألة قلوب مليانة" فالشيخ حسن نصرالله منذ أن غدا وكيلاً لدولة الولي الفقيه الإيرانية في لبنان وهو يوظف كل شيء، حتى بما في ذلك حرب تحرير الجنوب، ليعيد صياغة المعادلة اللبنانية الداخلية بما يتلاءم مع التطلعات الاقليمية لهذه الدولة وحلفائها "المذهبيين" في هذه المنطقة.
كل الثورات تكلل انتصاراتها في العادة بالتحول الى دول، وكل حركات المقاومة لا تلبث أن تصبح أحزاباً سياسية بعد تحقيق أهدافها التي انطلقت من أجلها.. إلا مقاومة حسن نصرالله وحزبه فإنها تصر على أن تبقى مقاومة و"الى متى؟.. الله أعلم" وأنها تصر على أن تبقى دولة داخل الدولة وجيشاً الى جانب الجيش الشرعي، وهي اختطفت الطائفة الشيعية الكريمة اختطافاً لتواجه بها الطوائف اللبنانية الأخرى، وهي نقلت جيوشها من خطوط المواجهة مع إسرائيل لتعسكر أمام مقر رئاسة الوزراء في بيروت، وهي تخلت عن شعار إسقاط ايهود أولميرت لحساب شعار إسقاط فؤاد السنيورة!!.
في المهرجان الذي ظلله شعار: "الوعد الصادق" أول من أمس ظهر الشيخ حسن نصرالله كأكبر "ديماغوجي" في تاريخ العنتريات العربية، وقد ذكّر جميع الذين شاهدوه واستمعوا اليه بكل أولئك "القادة النجباء" الذين أشبعوا شعوبهم مراجل، ولكنهم في النهاية أوصلوا بلدانهم الى الاحتلال والدمار والخراب والانهيار.
ماذا يريد حسن نصرالله..؟!.
إنه يريد طيّ ملف المحكمة الدولية ويريد لفلفة جريمة اغتيال رفيق الحريري، وهو يطالب بإطلاق سراح كبار المتهمين بالمشاركة بهذه الجريمة، وهو يواصل تكديس الصواريخ في مناطق البقاع وفي الضاحية الجنوبية من بيروت لفرض إرادته وإرادة حلفائه الاقليميين على المعادلة اللبنانية ولإعادة تشكيل دولة لبنان لتكون على مقاس هؤلاء الحلفاء القريبين جداً والبعيدين.
ولذلك، من أجل هذا فإن حسن نصرالله، الذي أماط اللثام في خطابه الأخير عن كل ما كان يتجنب الإشارة اليه، يصر على إما مصادرة حكومة السنيورة من خلال السعي لفرض مناورة الثلث المعطل أو إطاحتها، وعلى التخلص من هذا البرلمان الذي لتيار المستقبل الأكثرية فيه وإجراء انتخابات جديدة بقانون انتخاب جديد، وهو يصر أيضاً على بقاء رئيس الجمهورية اميل لحود الى حين انتخاب خلَف له يكون بمواصفاته وعلى شاكلته.
فماذا يعني هذا..؟ إنه يعني أن حسن نصرالله يريد مصادرة لبنان كله.. رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان والجيش والأمن العام والطوائف كلها حتى الطائفة السنية والطائفة المارونية وأنه يعني أن حسن نصرالله يريد تحويل المجتمع اللبناني التعددي الى مجتمع "اسبارطي" بذقون طويلة وبلباس موحد بدون ربطات أعناق وعلى الطريقة الإيرانية.
(*) كاتب سياسي ووزير الإعلام الأردني سابقاً