يبدو المجتمعون من القادة العرب في قمة الرياض أكثر واقعية من أي لقاء آخر. فقد قدموا القضايا القابلة للحل وأخروا العالقة التي بدت تحتاج إلى طبخ أطول حتى تنضج. ومع أن الأطراف اللبنانية كانت تتطلع إلى حل سحري في قمة الرياض، بل وقبيل انعقادها، إلا انه بات من الواضح أن المسألة اللبنانية لن تكون المحظوظة بالأخبار السعيدة.
في مقابل ذلك ينصب الاهتمام بشكل جماعي، وأكثر تركيزا، على القضية الفلسطينية لأن الطرفين الفاعلين، حماس وفتح، نجحتا في الاتفاق على المبادئ وشرعتا عمليا في تطبيق اتفاق مكة. ومن هنا ينطلق القادة العرب في الرياض خلف الفلسطينيين لتفعيل مبادرة بيروت، ليخطوا أول خطوة حقيقية على طريق المبادرة باتجاه القدس وإقامة الدولة الفلسطينية.
ويبدو أن الملف الثاني سيكون السودان، الذي قد لا يدري أهله، أن بلدهم اقرب إلى حرب دولية من إيران. فقد صار العالم الخارجي مستعدا سياسيا وشعبيا لتكرار حرب كوسوفو، من اجل إنهاء مأساة دارفور. الأمور ساءت لأن السياسيين السودانيين ظلوا يعتقدون أن الولايات المتحدة غارقة في رمال العراق وشباك إيران فإنها لن تفتح جبهة أخرى، وهذا تصور خاطئ للغاية. فالحرب من أجل دارفور صارت تلقى استجابة شعبية عالمية لا تماثلها أي حرب أخرى في العالم. وصارت الحكومات الغربية، بما فيها الأوروبية المعتدلة، مقتنعة بضرورات الحل العسكري إن فشل الحل السياسي الدولي.
وكل الأنباء من الرياض تقول إن هناك استعجالا لاستباق المأساة المقبلة، وإيقاف طبول الحرب، بتقديم حلول تؤمن المطلب الدولي بحماية أهالي الإقليم المنكوب من شرور الميلشيات، وتطمئن الحكومة السودانية بان لا نية لتقسيم السودان تحت ذريعة مساعدة الدارفوريين. القمة جلبت إلى الطاولة لا القادة العرب بل أيضا مسؤولي المنظمات الدولية والأفريقية والإسلامية من اجل هذا الغرض، ولو نجحت فإنها تكون قد جنبت المنطقة مأساة كبيرة.
لكن ماذا عن العراق ولبنان؟
قال احد المسؤولين انه ابلغ الجانب اللبناني أن عليه أن يتفق أولا على الأسس حتى يمكن الجلوس على الطاولة في القمة أو غيرها. بدون اتفاق مبدئي لا يمكن أن يتفق الفرقاء اللبنانيون وبالتالي سيعمق الفشل حدة الخلاف وهو آخر ما يريده العرب في قمتهم. وتشابه الحالة العراقية الحالة اللبنانية. فالحكومة العراقية تحظى بدعم القمة في كل مشاريعها الرئيسية، لكن القمة لا تستطيع أن تفرض على الفرقاء الآخرين حلا سياسيا، وطالما أنهم لم يصبحوا بعد جاهزين للتفاوض فلا طائل للجلوس.