أعلنت السلطات المصرية أمس تفكيكها شبكة تجسس لصالح “إسرائيل” على برنامج مصر النووي، بنقل معلومات إليها عن نشاط الهيئة المصرية للطاقة الذرية، وتتألف الشبكة من مهندس مصري يعمل في الهيئة وشخصين هاربين إيرلندي وياباني، وأحالت النيابة العامة المتهم الأول إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ.
وتعود وقائع قضية التجسس “الإسرائيلي” الجديدة في مصر إلى فبراير شباط الماضي، حين أبلغت المخابرات المصرية عن تردد المهندس في هيئة الطاقة الذرية محمد سيد صابر علي (35 عاما) على مقر السفارة “الإسرائيلية” في القاهرة منذ مايو أيار 1999 لطلب الحصول على منحة دراسية في مجال الهندسة النووية من جامعة تل أبيب، وتلقى صابر تحذيرا ليتوقف عن الذهاب إلى السفارة المذكورة من دون إخطار جهة عمله.
وقال المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا هشام بدوي في مؤتمر صحفي في القاهرة أمس إن التحقيقات أكدت سفر المتهم إلى السعودية للعمل في الرياض، ووضع بياناته الشخصية ومؤهلاته العلمية على شبكة الإنترنت بحثا عن فرصة عمل، وعاد إلى عمله في ،2001 وفي 2004 حصل على إجازة وسافر إلى السعودية للعمل مدرسا للحاسب الآلي في الرياض، وفي ديسمبر كانون أول تلقى اتصالا هاتفيا من المتهم الثاني الإيرلندي براين بيتر الذي تحدث بصفته مسؤولا في شركة متعددة الجنسيات، ومن فبراير شباط 2006 حتى 2007 تردد مرات على هونج كونج، والتقى خلالها مع عنصرين من المخابرات “الإسرائيلية” وتسلم منهما أجهزة تجسس ومبالغ مالية، نظير إمدادهما بمعلومات عن هيئة الطاقة الذرية في مصر. وفي 18 فبراير/ شباط الماضي، أوقفته الأجهزة الأمنية في مطار القاهرة، وبتفتيش منزله تم ضبط أجهزة مستخدمة في التجسس وتقارير سرية خاصة بهيئة الطاقة الذرية المصرية.
حصل المتهم على بكالوريوس الهندسة النووية من جامعة الإسكندرية في 1994 وتم تعيينه في 1997 ملتحقا بالعمل في المفاعل النووي في “أنشاص” في محافظة الشرقية، وفي 1999 توجه إلى السفارة “الإسرائيلية” طالبا الهجرة إلى الكيان على إثر خلافات نشبت بينه وبين قياداته في هيئة الطاقة الذرية.
وأفادت التحقيقات أن المتهم الثاني بيتر قال لصابر في اتصال هاتفي إن المختصين في الشركة المزعومة طالعوا سيرته الذاتية ووافقوا على منحه فرصة استكمال دراسته العليا وتوفير عمل دائم له، وفي نهاية الاتصال طلب منه مقابلته في اليابان، ولكن تعذر حصوله على تأشيرة دخول إلى اليابان من السعودية فتوجه إلى هونج كونج في فبراير شباط ،2006 واستغرقت إقامته فيها نحو 4 أيام استقبله خلالها بيتر وتحمل نفقات سفره وإقامته ومنحه 100 دولار أمريكي نفقات شخصية، وفي اللقاءات المتعددة بينهما تناقشا في التفاصيل الخاصة بخبرته العلمية والوظائف التي شغلها في مصر وتسلم أوراق السيرة الذاتية وشهادات الخبرة ووعده بسرعة إنهاء إجراءات تعيينه في الشركة المذكورة.
وسافر المهندس محمد صابر علي ثانية إلى هونج كونج في أبريل/ نيسان 2006 وقابله بيتر وسلمه مبلغ 100 دولار أمريكي نفقات شخصية، وفي أغسطس آب 2006 سافر للمرة الثالثة إلى هناك، وتعرف إلى المتهم الثالث الياباني شيرو إيزو بصفته مسؤولا عن تنمية الموارد البشرية في الشركة التي أفهماه أنها في طريقها لفتح مكتب تمثيل لها في مصر، وسيكلفونه بالإشراف عليه وتجنيد آخرين للعمل به، وطلب إيزو من صابر أن يترك عمله في السعودية ويعود لعمله في هيئة الطاقة الذرية في مصر، وأن يسعى للالتحاق بهيئة المواد النووية ليكون ممثلا للشركة فيها. وفي هذا اللقاء أبلغ صابر معلومات صحيحة إلى إيزو عن نشاط هيئة الطاقة الذرية وكيفية اتخاذ القرار في إداراتها المختلفة وعن علاقاته برئيس الهيئة ومسؤوليها، فضلا عن سياسات الدولة المصرية في مجالات استخدام الطاقة الذرية ومدى اعتمادها في هذا المجال على المفاعلات النووية كأحد مصادر الطاقة. وفي ختام اللقاء، حصل صابر على جهاز كمبيوتر محمول “لاب توب”، وأطلعه “ايزو” على نسخة من عقد تعيين في الشركة براتب شهري 3 آلاف دولار أمريكي، وقال له إنه في سبيله لتوثيق العقد من الجهات المختصة، وقال صابر في التحقيقات أنه شعر أن الشركة المشار إليها ليست سوى ستار لنشاط جهاز الموساد “الإسرائيلي.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول ،2006 توجه صابر للمرة الرابعة إلى هونج كونج بدعوة من بيتر حيث كلفه الأخير بالسفر إلى مصر والاتصال بزملائه العاملين بالمفاعل النووي في “أنشاص” بغرض إعداد تقرير عن المفاعل، متضمنا معلومات عن قدراته وعدد ساعات تشغيله وطبيعة التجارب التي تجري فيه، والمشكلات الفنية التي تحدث فيه وأسبابها، وكلفه أن يضمن هذا التقرير معلومات عن مدى خضوع المفاعل المذكور للتفتيش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعدلات تردد مفتشي الوكالة عليه. وأمده بيتر خلال الزيارة بعنوان لموقع تم إنشاؤه باسم حركي على البريد الإلكتروني، لمراسلته من خلاله باستخدام شيفرة سرية، وأحاطه علما باصطلاحاتها ودربه على كيفية استخدامها، فضلا عن كيفية اختراق حاسب هيئة الطاقة الذرية في مصر، ما يتيح الاطلاع على معلوماتها.
وعاد صابر إلى مصر في عام ،2006 واستطاع الحصول على مستندات متضمنة معلومات مهمة وسرية عن هيئة الطاقة الذرية والمفاعل النووي في أنشاص. وفي ديسمبر/ كانون الأول ،2006 سافر إلى هونج كونج والتقى بيتر للمرة الخامسة وسلمه المستندات، وطلب صابر عشرة آلاف دولار ثمنا للمستندات، و7 آلاف دولار تعويضا عن تركه العمل في السعودية، ومنحه بيتر ألفي دولار واصطحبه إلى بنك في هونج كونج الذي يتوافر له فروع في مصر حتى يتسنى لصابر استلام راتبه الشهري وما يصرف له من مكافآت وإيداعها في حسابه. وفي فبراير/شباط الماضي توجه صابر إلى هونج كونج للمرة السادسة بهدف استلام وسيلة التخابر المتفق عليها وبرنامج الحاسب السري المزمع استخدامه في اختراق أنظمة المعلومات في هيئة المواد النووية في مصر.
وأمام أجهزة التحقيق المصرية، أجرى المتهم صابر عمليات سحب متتابعة لمبلغ 14 ألفا و400 جنيه مصري من صراف آلي لأحد البنوك، وهو مبلغ تسلمه من المتهم الثاني، وبتفريغ محتوى البريد الإلكتروني السري بمعرفة هيئة الأمن القومي “المخابرات المصرية” عثر على 9 رسائل متبادلة بينه وبين بيتر ومحررة بالإنجليزية، وباستخدام مفردات رمزية أدلى المتهم بفحواها .
وقال المحامي بدوي إن المتهم المصري “استولى بغير حق على أوراق مملوكة لجهة عمله بأن تحصل على تقريري الأمان النووي الصادرين عن الجهة المختصة بتشغيل المفاعل النووي في أنشاص، وذلك بنية تملكهما وتسليمهما للمتهم الثاني”. وأضاف أن المتهمين الثاني والثالث في قضية صابر الموظف في هيئة الطاقة الذرية “اشتركا بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جريمة التخابر، وساعداه بأن تحملا نفقات سفره وإقامته في هونج كونج لمقابلتهما”.
وأفيد أن الناب العام عبد المجيد محمود قرر أمس إحالة محمد سيد صابر علي إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ لمحاكمته “بتهمة التخابر لحساب “إسرائيل” بعد اختراقه أنظمة الحاسب الآلي لهيئة المواد النووية التابعة لوزارة الكهرباء والطاقة”. كما أن النيابة المصرية وجهت تهم التخابر لصالح “إسرائيل” إلى كل من الإيرلندي الجنسية الهارب من العدالة برايم بيتر والياباني الجنسية شيرو إيزو، الهارب أيضا.
ويذكر أنه من المقرر أن تصدر محكمة أمن الدولة العليا المصرية الشهر الحالي حكما في قضية المصري محمد عصام غنيمي العطار (31 عاما) الحاصل حديثا على الجنسية الكندية، والمتهم بالتخابر ل “إسرائيل” وتجنيد مصريين وعرب في تركيا للعمل لحساب المخابرات “الإسرائيلية” الموساد.
ونفت “اسرائيل” أمس وجود شبكة تجسس لحسابها في مصر، وقال مارك ريغيف المتحدث باسم وزارة الخارجية “الاسرائيلية” ان “معلومات مماثلة غالباً ما تبرز في العاصمة المصرية، ثم يتبين دائماً ان لا أساس لها”.
.